الصفحة الرئيسية
En

الاختبار الحقيقي للديمقراطية

يقول ستيفن جراند، زميل زائر بمعهد بروكينجز التابع لمركز الصبان لسياسات الشرق الأوسط، في محاضرة بالجامعة جاءت تحت عنوان "فهم التحرير والتوقعات الخاصة به: ما نتعلمه من تجارب الآخرين عن التحول إلى الديمقراطية في العالم العربي: "لا تعتمد الديمقراطية على القادة الذين يتولون مقاليد الحكم، بل تعتمد على الشعوب التي تحاسب القادة على مسئولياتهم تجاه شعوبهم."
يوضح جراند: "لا يكمن الاختبار الحقيقي لقوة الديمقراطية في نوعية الشخص الذي تصادف وجوده على رأس الحكم، بل يكمن فيما يحدث حقيقةً في تلك اللحظات التي يخرج فيها القائد عن الخط المرسوم له ويخالف دستور الدولة، أو يبقى في الحكم لفترات طويلة، أو يسئ استغلال المال العام ويستخدمه لمصلحته الشخصية. فهل يتركه الشعب في هذه اللحظة يخرج بغنيمته بدون أي نوع من المحاسبة؟ أم يضعه الشعب في قفص الاتهام ويحاسبه عما اقترفت يداه؟ وأنا أعتقد أنه عندما يوقن القادة السياسيون أنه سيكون هناك ثمناً غالياً يدفعونه في حال مخالفتهم للقواعد السياسية والدستورية المعمول بها، عندئذٍ فقط تتمكن المؤسسات السياسية الديمقراطية من الثبات والاستقرار."
يعتمد المنظور الخاص بجراند على بعض النتائج التي توصل إليها والمذكورة في كتابه القادم، فهم ميدان التحرير: ما الذي نتعلمه من التحولات التي حدثت في مناطق أخرىوتوقعات الديمقراطية في العالم العربي، حيث اختبر حالة أكثر من 95 دولة عمدت إلى التحول إلى الديمقراطية وذلك منذ منتصف السبعينات إلى آخر القرن العشرين، وهي الفترة التي تُعرف "بالموجة الثالثة من الديمقراطية". ويذكر جراند أن التحول إلى الديمقراطية في تلك البلاد لم يحدث بسرعة أو سهولة، بل كانت هناك صراعات سياسية طويلة بين الدولة والمجتمع بخصوص الطرف الذي يجب أن يتولى مقاليد السلطة. ويوضح جراند: "من المألوف عادة في تلك الصراعات أن نشهد بعض التقلبات والتحولات الجوهرية، وبعض التقدم المفاجئ ثم الارتداد إلى الخلف مرة أخرى، وذلك كله من الطبيعي أن يحدث أثناء عملية التحول إلى الديمقراطية. فنحن نتعلم من العثرات والأخطاء الكثير والكثير من الحنكة السياسية، وذلك يساعد بالتأكيد على دفع عملية الديمقراطية إلى الأمام."
يذكر جراند أن الدول التي تمكنت من تكوين ديمقراطيات راسخة تملك بالتأكيد دوائر سياسية فعالة تدفع عملية الديمقراطية إلى الأمام، وهو ما رآه جراند جلياً في بلاد الربيع العربي. ويقول جراند: "أرى ان الدوائر السياسية الفعالة ما هي إلا حشد كبير من المواطنين يدعم الديمقراطية وينادي بها وذلك بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الحزبية. فإذا كان للقادة السياسين ان يلتزموا بقواعد اللعبة السياسية، فإن الحاجة تبرز عندئذٍ إلى وجود دستور نلتزم بنصوصه ومؤسسات ديمقراطية نحترمها."
يرى جراند أن الدائرة السياسية الفعالة تتكون بمجرد تحقيق ثلاثة شروط: أولاً: أن لا يرى أفراد الشعب أنفسهم باعتبارهم "تابعين" بل باعتبارهم "مواطنين"؛ ثانياً: حدوث نوع من العمل الجماعي على المستوى المحلي؛ ثالثاً: حشد شبكات العمل المتشتتة وجمعها على كلمة واحدة للضغط على القادة لإحداث نوع من التغيير الديمقراطي." وينظر جراند إلى المشهد الديمقراطي في مصر بنوع من التفاؤل، ويقول: "إذا نجحنا في مواجهة تلك التحديات، يبقى الأمل في حدوث نوع من التغيير الديمقراطي في مصر. فالديمقراطية يمكن أن تحدث في ظل الشروط الصحيحة وتمتد جذورها في المنطقة، ولكن تبقى الحاجة إلى وجود نوع من الضغط الشعبي لكي تظهر تلك التحولات إلى الوجود."
يؤكد جراند: "أنا متفاؤل بشأن مستقبل مصر وبلاد الربيع العربي. فإذا كان لنا أن نتجنب العنف السياسي وأن نتخلص من الاختلافات العرقية، فإن ذلك بالتأكيد سيأخذ الكثير من الوقت والجهد، وبالرغم من ذلك كله فإنه من الواضح أن افكار المواطنين بخصوص السلطة السياسية وعلاقتهم بها قد بدأت في التغير."
الصورة: بهجت قرني، مدير منتدى الجامعة، وستيفن ر. جراند بحرم الجامعة.

Share